Heaven's Lights Heaven's Lights: التوكل على الله

Thursday, September 18, 2008

التوكل على الله


حكي أن حاتم الأصم كان رجلاً كثير العيال، وكان له أولاد ذكور وإناث، ولم يكن يملك حبة واحدة، وكان قدمه التوكل. فجلس ذات ليلة مع أصحابه يتحدث معهم فتعرضوا لذكر الحج، فداخل الشوق قلبه، ثم دخل على أولاده فجلس معهم يحدثهم، ثم قال لهم: لو أذنتم لأبيكم أن يذهب إلى بيت ربه في هذا العام حاجاً، ويدعو لكم، ماذا عليكم لو فعلتم؟ فقالت زوجته وأولاده: أنت على هذه الحالة لا تملك شيئا، ونحن على ما ترى من الفاقة، فكيف تريد ذلك ونحن بهذه الحالة؟ وكان له ابنة صغيرة فقالت: ماذا عليكم لو أذنتم له، ولا يهمكم ذلك، دعوه يذهب حيث شاء فإنه مناول الرزق، وليس برازق، فذكرتهم ذلك. فقالوا: صدقت والله هذه الصغيرة يا أبانا، انطلق حيث أحببت. فقام من وقته وساعته واحرم بالحج، وخرج مسافرا وأصبح أهل بيته يدخل عليهم جيرانهم يوبخونهم، كيف أذنوا له بالحج، وتأسف على فراقه أصحابه وجيرانه، فجعل أولاده يلومون تلك الصغيرة، ويقولون: لو سكت ما تكلمنا.

فرفعت الصغيرة طرفها إلى السماء وقالت: إلهي وسيدي ومولاي عودت القوم بفضلك، وأنك لا تضيعهم، فلا تخيبهم ولا تخجلني معهم.
فبينما هم على هذه الحالة إذ خرج أمير البلدة متصيداً فانقطع عن عسكره وأصحابه، فحصل له عطش شديد فاجتاز بيت الرجل الصالح حاتم الأصم فاستسقى منهم ماء، وقرع الباب فقالوا: من أنت؟
قال: الأمير ببابكم يستسقيكم.
فرفعت زوجة حاتم رأسها إلى السماء وقالت: الهي وسيدي سبحانك، البارحة بتنا جياعا، واليوم يقف الأمير على بابنا يستسقينا، ثم أنها أخذت كوزا (وعاء صغير للشرب) جديدا وملأته ماء، وقالت للمتناول منها: اعذرونا،
فأخذ الأمير الكوز وشرب منه فاستطاب الشرب من ذلك الماء فقال: هذه الدار لأمير،
فقال: لا والله، بل لعبد من عباد الله الصالحين عرف بحاتم الأصم.
فقال الأمير: لقد سمعت به.
فقال الوزير: يا سيدي لقد سمعت انه البارحة احرم بالحج وسافر ولم يخلف لعياله شيئا، وأخبرت أنهم البارحة باتوا جياعا.
فقال الأمير: ونحن أيضا قد ثقلنا عليهم اليوم، وليس من المروءة أن يثقل مثلنا على مثلهم.
ثم حلّ الأمير منطقته من وسطه ورمى بها في الدار، ثم قال لأصحابه: من أحبني فليلقِ منطقته، فحل جميع أصحابه مناطقهم ورموا بها إليهم ثم انصرفوا.
فقال الوزير: السلام عليكم أهل البيت لآتينكم الساعة بثمن هذه المناطق،
فلما نزل الأمير رجع إليهم الوزير، ودفع إليهم ثمن المناطق مالا جزيلا، واستردها منهم.
فلما رأت الصبية الصغيرة ذلك بكت بكاءاً شديداً فقالوا لها: ما هذا البكاء إنما يجب أن تفرحي، فإن الله وسع علينا. فقالت: يا أم، والله إنما بكائي كيف بتنا البارحة جياعا، فنظر إلينا مخلوق نظرة واحدة، فأغنانا بعد فقرنا، فالكريم الخالق إذا نظر إلينا لا يكلنا إلى احد طرفة عين، اللهم انظر إلى أبينا ودبره بأحسن تدبير.
هذا ما كان من أمرهم. وأما ما كان من أمر حاتم أبيهم فإنه لما خرج محرما، ولحق بالقوم توجع أمير الركب، فطلبوا له طبيبا فلم يجدوا، فقال: هل من عبد صالح؟
فدلّ على حاتم، فلما دخل عليه وكلمه دعا له فعوفي الأمير من وقته، فأمر له بما يركب، وما يأكل، وما يشرب.
فنام تلك الليلة مفكرا في أمر عياله، فقيل له في منامه: يا حاتم من أصلح معاملته أصلحنا معاملتنا معه، ثم أخبر بما كان من أمر عياله، فأكثر الثناء على الله تعالى،
فلما قضى حجه ورجع تلقاه أولاده فعانق الصبية الصغيرة وبكى ثم قال: صغار قوم كبار قوم آخرين وإن الله لا ينظر إلى أكبركم ولكن ينظر إلى أعرفكم به فعليكم بمعرفته والاتكال عليه، فإنه من توكل على الله فهو حسبه.

**************

من أروع القصص التي قرأتها بكل صراحة!!
لننظر معاً إلى حاتم أسلوبه وحديثه مع أطفاله، لم يفرض الأمر بل شاورهم واستأذنهم!!!
لننظر إلى الصغيرة و قوة إيمانها وثقتها بربها ، نموذج مثالي للأسرة المسلمة المؤمنة والواثقة المتوكلة على ربها ، قدوة لنا في طرق التعامل مع بعضنا وكيفيه التصرف و حسن الظن والثقة والإيمان.
أين نجد مثل هذا النموذج بيننا؟؟؟؟


حَســـــْبُنا اللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِــــــيلُ
قصص التوكل كثيرة جداً ومرت علي قصص واقعية مؤثرة عن هذا الأمر...
وما لفت نظري كثرة التوكل على الله في القرآن الكريم... حث واضح من ربنا جل وعلا أن نتوكل عليه وأن يكون هو حسبنا وولينا وعدتنا...

وبالله حولي واعتصامي وقوتي * * * ومالي إلا ستره متجللا
فيا رب أنت الله حسبي وعدتي * * * عليك اعتمادي ضارعا متوكلا

0 Comments:

Post a Comment

<< Home